لم تعد البدانة مقياسا لجمال الأطفال ولا دليلا على صحتهم كما اعتقدنا دائما إلى عهد قريب. أصبح الوزن المناسب هو ما يتلاءم مع الطول والعمر. والوزن المثالى هو محصلة الطاقة التى يستمدها الطفل من غذائه وما ينفقه فى أنشطته المختلفة: الذهنية والجسدية.
أصبح الاهتمام بما يأكل الطفل فرعا مستقلا من علم التغذية الطبية الذى يناقش الآن أهمية ونوعية الغذاء الذى يتلقاه الجنين فى رحم أمه وأثره على مستقبل صحته وما قد يصيبه من أمراض مزمنة أو ما قد يبديه من مقاومة لها بدعم من جهاز المناعة.
يبدأ التحاق الأطفال بالمدارس بين سن الرابعة والسادسة وهى سن مهمة للغاية إذ يحتاج الطفل فيها رعاية واهتماما أكبر بطعامه الذى يجب أن يكون متنوعا يضم كل العناصر اللازمة لأحد محطات البناء الذهنى والنفسى والجسدى التى تتوقف عليها مراحل أخرى متتالية تبدأ بالطفولة والمراهقة والشباب حتى سنوات النضج والشيخوخة.
الذى أصبح واضحا لا يقبل الجدل الآن أن الغذاء والنشاط الذهنى والبدنى هى مرآة العمر. كلما بدأ الاهتمام بالغذاء مبكرا كانت فرصة الإنسان فى حياة نشيطة صحية مقاومة للأمراض تمتد فيها أوقات الربيع والصيف ويتمهل الخريف وربما يأتى الشتاء أبدا.
عادات غذائية سليمة
تلك المرحلة من العمر التى يبدأ فيها إدراك الطفل فى النمو بصورة أكبر من نمو الجسد فى المرحلة الأولى من النمو والتى تبدأ بالميلاد يبدو معدل نمو الجسم أسبق إلى تلك السن التى فيها يتمهل معدل نمو الجسم والعضلات فيستمر لكن بمعدل أقل ويبدأ سن الإدراك وتطور الفكر لذا يجب استغلال تلك الفترة لتلقين الطفل أهم العادات الغذائية السليمة.
ـــ اعتنى دائما بأن يأكل الطفل فى جو عائلى ولا تجعلى من غذائه مهمة يجب الانتهاء منها قبل جلوس الكبار للمائدة.
ــ احرصى على ذلك ولو مرة فى اليوم حتى يدرك وجدانه المعنى الأبعد لتناول الطعام ولا تستهينى أبدا بما يحدثه هذا الفعل فى سلوكيات الطفل فيما بعد.
ـــ لا تترددى على الإطلاق فى منع كل ما يمكن أن ينشأ عليه الطفل من مكونات الوجبات السريعة «الهامبورجر» من لحوم مصنعة ودهون متحولة وسكريات وبطاطس مقلية أو مقرمشات وصودا ولا تستخدميها مع الشيكولاتة أو أى أنواع الحلوى كمكافأة فإن فى ذلك تمييزا لأنواع الطعام السئ على الجيد وسيظل منهاجا تلقائيا واختيارا ينحاز إليه بلا تردد فى السنوات اللاحقة وإن تحقق يوما من ضرر ذلك الاختيار وتمكن من التنازل عنه سيظل يذكره بحسرة وربما عاد إليه فى أوقات الضغوط العصبية.
ـ اجعلى من وجود الخضراوات والفواكه الطازجة أمرا ثابتا فى كل الأوقات سواء الوجبات الرئيسية أو الوجبات الخفيفة بين الوجبات. فى تلك المرحلة من العمر ــ ما بين الرابعة والسادسة ــ يجب أن يتناول الطفل ثلاث وجبات رئيسية بينها على الأقل وجبتان خفيفتان أو ما يطلق عليه لدينا تصبيرة. أمثلة لتلك التصبيرة: نصف كوب زبادى قليل الدسم أو نصف موزة أو جزرة أو نصف تفاحة أو قطعة من الجبن فى حجم الأصبع.
ـ قدمى لطفلك الطعام بصورة تلفت نظره اهتمى بأن يكون القدر كافيا للصغير فى حدود ما يمكنه الانتهاء منه وربما كان من الأنسب أن تقدميه فى طبق صغير يجذب انتباهه فمن أسوأ العادات أن تضعى له نفس القدر الذى تقدمينه للكبار ثم تعاقبيه على ترك بقية الطبق.
ـ احتفظى دائما بما يمكن تقديمه كوجبة خفيفة بين الوجبات فى الثلاجة من خضراوات وفواكه طازجة أو فواكه مجففة «المشمش، القراصيا، التين» ربما أيضا الفواكة المحفوظة فى علب صغيرة مع العصير الخاص بها كالخوخ والتفاح والكمثرى.
واحرصى على أن تقدمى له الطعام فى مواعيد ثابتة وليس فى كل ساعات النهار. ربما تدركين قيمة تلك الملاحظة إذا عرفت أن تلك هى أولى الخطوات للوقاية من مرض السكر من النوع الثانى. لدى البالغين نتيجة نقص عمل البنكرياس ومقاومة الجسم للأنسولين».
ماذا يجب أن يشرب الطفل فى تلك المرحلة من العمر؟
المشروب الأكثر صحة للطفل فى تلك المرحلة العمرية هو الماء واللبن قليل الدسم ضعيهما دائما فى متناوله واحرصى على متابعته وهو يتعود تناولهما.
إذا أردت أن يتناول عصير الفاكهة الطازج مثل البرتقال والفراولة وربما الصودا فلك أن تذكرى كم السكر فيهما الأمر الذى يجب احتسابه فى نوعية طعامه أيضا كونهما سببا فى تسوس الأسنان.
إذا أصر الطفل على أنواع العصائر التجارية فلا تعطيه إلا ما هو عصير خالص ويمكنك تخفيفه بالماء وابتعدى تماما عما يطلق عليه كوكتيل أو نكتار أو مضاف إليه فيتامينات أو مشروبات الطاقة فكلها محلاة بمواد صناعية ومضاف إليها صبغات وألوان.
ما هى أهم العناصر الغذائية التى يحتاجها الطفل فى تلك السن؟
يحتاج الطفل فى مرحلة ما قبل المدرسة إلى العديد من العناصر الغذائية التى تدعم نموه لكن هناك دائما الأهم واللازم قبل المهم والمرغوب فيه لذا يجب الاهتمام بمعرفة طبيعة النمو فى تلك المرحلة.
● الماء
أحد أهم العناصر التى يجب تعويد الطفل على الاهتمام بها فى كل وقت فأهم وظائف الماء هو الحفاظ على طبيعة تجانس كل العناصر فى الجسم سواء فى الدم أو الأنسجة كما أن الماء هو المسئول عن حمل المواد الغذائية للجسم بالكامل وفى المقابل حمل الفضلات بعد العمليات البيولوجية إلى خارج الجسم عن طريق الكلى.
الماء موجود أيضا فى الفواكه والخضراوات والعصائر لكن تعويد الطفل على شرب الماء النقى عادة صحية مهمة يجب الانتباه لها.
● اللبن
اللبن كامل الدسم يظل هو اللبن الذى يجب أن يتناوله الطفل حتى عامه الثانى فقط إذا ما كان نموه طبيعيا ولا يعانى من أى أعراض لسوء التغذية تستدعى الاستمرار فيه.
لذا فمع مرحلة الاستعداد للمدرسة يظل اللبن قليل الدسم 2٪ هو الأفضل والأكثر صحة.
● الدهون
حتى السنة الثالثة من عمر الطفل تظل للدهون حقيقة فى استكمال مكونات الجهاز العصبى المركزى والطرفى ويقوم لبن الأم واللبن كامل الدسم ومنتجات الألبان بدور مهم فى توفير الدهون فى تلك المرحلة. فى الرابعة من العمر وحتى السادسة تظل للدهون أيضا أهمية تجعل نسبتها فيما يحتاجه الطفل من طاقة تصل إلى 30٪ من نسبة ما يتناوله الطفل من طعام.
ما يحتاجه الطفل فى تلك المرحلة من دهون يجب أن يكون فى الصورة الجيدة للدهون غير المشبعة والتى توجد فى الأسماك، ومعظم أنواع المكسرات والزيوت النباتية وأهمها زيت الزيتون، أما الدهون المشبعة التى توجد فى اللحوم، والزبد، والجبن فيمكن أيضا تناولها ولكن بقدر نظرا لاحتوائها على نسب عالية من الكوليسترول.
● البروتينات
البروتين هو أهم العوامل التى تدعم نمو الأنسجة المختلفة والعضلات فى جسم الطفل فى تلك المرحلة لذا يجب أن تتراوح نسبتها فيما يأكل ما بين 10 و20٪ يوميا الأمر الذى معه يستمد الجسم الطاقة من كل العناصر الأخرى التى يجب توافرها من كربوهيدرات ونشويات ليبقى على نسبة أكبر من البروتينات التى تدخل فى بناء الأنسجة والعضلات.
● الفيتامينات والمعادن
أهم المعادن التى يحتاجها الطفل فى تلك المرحلة هو الكالسيوم لبناء عظام قوية أيضا فيتامين «د» مع الحديد.
● الكالسيوم
يحتاج الطفل فى تلك المرحلة من العمر إلى ما لا يقل عن 800 مجم من الكالسيوم يوميا فى غذائه لكن الواقع فى أغلب الأحوال أن الأطفال فى تلك السن يستبدلون أهم مصدر متاح لهم ــ اللبن ــ بالعصائر ومشروبات الصودا الأمر الذى يحرمهم من عظام وأسنان قوية وربما كان ذلك مقدمة للإصابة بهشاشة العظام فى مقتبل العمر.
إضافة اللبن قليل الدسم إلى طعام طفلك والزبادى كبديل للكريمة واستخدامه فى صنع الآيس كريم واستخدام أنواع الجبن المختلفة وفقا لما يختار سواء فى الطهو أو كوجبة خفيفة بين الوجبات، إضافة اللوز لأصناف الحلوى أو إعداد الأصناف الحلوة مثل البودنج والمهلبية والآيس كريم كلها تدخل فى تركيبها اللبن: كلها وسائل لإضافة الكالسيوم لطعام طفلك فإذا واجهت صعوبات فى إمداده بالكالسيوم الكافى بطريقة طبيعية يمكنك اللجوء لمستحضراته وإن كان من مصادره الطبيعية فهو أفضل وأسهل امتصاصا.
● فيتامين «د»
ينشط فيتامين «د» لأداء مهامه فى الجسم بمعاونة أشعة الشمس «الأشعة فوق البنفسجية» الأمر الذى يستحب معه تعريض الطفل لأشعة الشمس غير المباشرة فيتامين «د» هو مفتاح امتصاص الكالسيوم اللازم لبناء عظام وأسنان قوية للأطفال يمكن أيضا الحصول على فيتامين «د» من مصادره الطبيعية: الأسماك وزيت السمك وحاليا يضاف فيتامين «د» لبعض الأطعمة الخاصة بالأطفال والمشروبات مثل عصير البرتقال وأنوع من اللبن.
● الحديد
تعتمد حاجة الطفل من الحديد على ما يدخره الجسم منه ومعدل نمو الطفل فى تلك المرحلة يحتاج الطفل يوميا إلى 10 مجم من الحديد. يمكن للطفل أن يجد حاجته اليومية من الحديد من مصادر حيوانية: اللحوم والدجاج. أيضا من الحبوب الكاملة والفواكه والخضراوات علما بأن الحديد يمتص فى صورتين الأولى منهما والمستمدة من اللحوم أسهل امتصاصا.
تناول أطعمة تحتوى على فيتامين «ج» مع مصادر الحديد تزيد من امتصاصه وبالتالى فاعليته الأمر الذى يجب على الأم مراعاته فى تحضير طعام طفلها.
زيادة محتوى الكالسيوم فى الغذاء قد تتسبب فى عدم امتصاص الحديد ومعاناة الطفل من الأنيميا حيث يتنافس الكالسيوم والحديد على مواقع الامتصاص فى الأمعاء والتى غالبا ما يستأثر بها الكالسيوم دون الحديد لذا يجب أن تراعى الأم الأوقات التى تقدم فيها اللبن لطفلها.
من أهم مصادر الحديد: اللحوم، الأسماك، الدجاج، رقائق الشوفان مع اللبن قليل الدسم فى الصباح، الخضراوات خصوصا الورقية داكنة الخضرة مثل السبانخ، إضافة مصادر فيتامين «ج» للطعام مثل البرتقال واليوسفى.
● الفيتامينات
تلك المرحلة من العمر علميا لا يحتاج الطفل فيها إلى الفيتامينات بقدر احتياجه لغذاء صحى متنوع يمكن أن يجد فيه كل حاجته من الفيتامينات ولا يجب استعمالها إلا فى حالة ظهور نقص واضح فى أحدها الأمر الذى يعرف من أعراضه.
من الرابعة للسادسة سن التحضير للإدراك وبداية الاستعداد لتلقى العلم وأولى خطوات طريق الاستقلال عن الحماية الكاملة للأم والأسرة. مرحلة خاصة فى حياة الطفل يجب أن نوليها اهتماما بغذائه فالتنوع وانتقاء اللازم من الاختيارات الغذائية التى تدعم نموه أمر يضمن سلامة بنائه ومستقبل صحته.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق